اعداد
اشرف مشرف المحامي
الأخوة الكرام أقدم لكم اليوم مرافعة من أجمل ما قرئت وهيا مرافعة للأستاذ إبراهيم بك الهلباوي أول نقيب للمحامين في مصر وقد ترافع بها في قضية أل محفوظ باشا في أسيوط سنة 1930 والذي اتهم فيها محفوظ باشا وأهله بالتزوير في أوراق رسمية وقد نشرت هذه المرافعة لأول مرة في جريدة الوادي عدد 19 مارس سنة 1931 ثم أعيد نشرها ضمن مذكرات الأستاذ الهلباوي نفسه وأنا الآن أتشرف بأن أكون أول من ينشرها على النت وأن شاء الله يكون ذلك النشر بداية سنة حميدة للزملاء أن ينشروا كل ما يجدوه رائعا من مرافعات أساتذة الزمن الجميل والآن أترككم مع المرافعة .
اتهمتنا النيابة بتزوير الاستمارات وتركت المستأجرين الذين وقعوا بأختامهم وصرفت لهم الأموال جميعها باعترافها ،وكان هذا العمل طبيعيا فالاستمارة عريضة طلب سلفه وليس في العريضة تزوير ولا في الضمانة المزيلة بها وإنما الخلاف بيننا وبين الاتهام يدور حول إقرار العمدة والمشايخ والصراف الذي جاء في نهاية العريضة أو الاستمارة.
يقول رئيس النيابة أن الإقرار مخالف للواقع، فما هو هذا الواقع الذي خالفناه؟
في الاستمارات كلها في يناير فبراير وأوائل مارس أي قبل زراعة القطن والمستأجرون فيها استلفوا على زراعة القطن فهل كان هناك شيء واقع كتبنا غيره؟
كل ما كان هو عرفهم أنهم يزرعون قطنا عندما يجيء ميعاد زرع القطن والحكومة عندما أقرضت في يناير تعلم طبعا أن القطن يزرع في مارس وأبريل فهي تفهم عندما تقرض أن كل ما في الاستمارة هو وعد؟
هو عزيمة بأن هؤلاء الناس سيزرعون قطن إن شاء الله.
وإذن إذا كان للنيابة أن تنقب على النوايا فلتبحث على نية التزوير في أيام الإقراض إنما تلك النية على الواقع الذي كان الذي تعاقدت الحكومة مع المقرضين فيه إبانه وملابساته ولن يكون إلا عزيمة ونية وحيازة معنوية وردت عليها الإقرارات وليس مقدم في هذا ما جاهدت فيه النيابة من آن بعض المستأجرين موظفين في المجلس القروي أو كناسون أو خفراء فليس للزارع عندنا كادر ككادر الموظفين بل ولم يسن قانون يحرم عليهم ألجمع بين الوظائف والزراعة كذلك القانون الذي سن لنا نحن المحامين أو القضاة.
الحكومة بقانوني 53 و 54 من سنة 1929 تقدمت كالأم الرءوم إلى رعاياها المكلومين تهون عليهم وكانت من شروطها على المقترضين أن تؤجل دفع ألسلفه شهور بعد صرف السماد والبذور إليهم.
أفليس في هذا مصداق لما ذهبت أليه من أنها كانت تسلف إليهم البذور والسماد حتى إذا قاموا بالزرع في بحر الشهور الثلاثة الميعاد المعروف عندئذ تعطيهم باقي ألسلفه الحقيقية لقد كان هذا هو القانون ،وكان هذا شرط الإقراض ولكن الحكومة البارة رأت أن تعمل للفلاح ما أجلت فأعطته ألسلفه كلها في أيام الاستمارات بسطت يدها للزراع وشجعت بكل وسيلة على النحو الذي بسطناه ولم تكن صفة الاستئجار أو حيازة أرض على سبيل الإيجار صفة جوهرية في الاستمارات أو بعقد الملكية وإلا ليطلب المشرع عند تقديم الاستمارة أن يشفعها صاحبها بعقد الإيجار الذي يثبت أنه مستأجر أو مالك وما كان أسهل ذلك على المشرع وعلي المستأجرين بل لكان طلب أيضا إلى المشايخ أو إلى العمد يخففوا هذه الصفة عند شهادتهم عليها باللجوء إلى مستندات أو أوراق أو على الأقل بالاطلاع على عقد الإيجار أو عقد التمليك وهاهي المواد الإضافية في تعليمات المالية تخلو من أي تلميح إلى مثل ذلك ولن تكون تلك الإقرارات هي السبيل لتحقيق تلك الصفة حتى يمكن أن يقال أنها مشورة من عدمه.
ولتكون الإقرارات حجة على إنسان هل ألإيجاره تثبت بشهادة الشهود أي بالإقرارات وإذا ما دامت لا تثبت بشهادة الشهود فهل يعاقب الشهود لو قرروا كذبا وجود عقد إيجار؟
أنكم تقضون كل يوم في محكمة النقض وهنا بأنه لا يتصور التزوير إلا فيما يمكن أن يكون حجة يترتب عليها حقا وفي الإيجار لا حجة إلا بعقد فلا تزوير فيما سواه تقضون أيضا ومنذ شهرين فقط بأن كذب الشهود في تحديد السن الوارد في عقد الزواج لا تنهض به دعوى التزوير وجاء في كلام محكمة النقض أن السن ليس إثباتها بما يقوله الشهود إنما دليلها الطبيب أو شهادة الميلاد فلما يمنع العمدة المستأنف والشيخ المستأنف من آن يشهد على نفسه.
لأن القانون يسهل على الناس ولا يفكر في أن يقدم المنتفعين به أسرابا وآحادا إلى محكمة الجنايات إقرارات المرء عن نفسه يفترض فيها المشرع والشراح وأنتم في قضائكم إنه يتوخى صالحه غالبا ،وهي لذلك دائما محل مراجعة ولكن هذا القانون لا يرتاب فيها بل يقول لمصطفى بك رشوان ولكل عمدة: ( سعادتك تضمن سعادتك ) فإذا عاب أحد على العمد والمشايخ شيئا فلتعاقبهم لجنة الشياخات لا بطش النائب العام. كيف غفل حضرة رئيس النيابة عن هذه النقطة وهي أنه هذه الاستمارات لا تلزم أحدا شيئا ولا تضر الحكومة بشيء ما دامت لها اليد العليا وما دامت الاستمارات عرائض وما دام كل ما على الحكومة هو جواز أن تقبل تلك العرائض أو أن تضرب بها عرض الحائط ،وما دامت لا تؤكد حقا على الحكومة ؟
أرأيتم حضراتكم إلى عرائض التزكية عندما يوزع الملك الصدقات على الفقراء فيجيء غني بشهادة شيخ الحارة بأنه مستحق ويصيبوا منها خيرا.
أرئيتم إلى العمدة عندما يسأل عن متهم فيجيب بأنه ليس بيده وهو بين يديه فرأيتم إلى الشيخ وهو يشهد بأن نفر القرعة فقيه معافى ويتضح كذبه ،بل فرأيتم إلى العمدة وهو يزكي شرير أو مجرم ما بشهادة حسن سلوك هل يقدم من هؤلاء أحد بصفة شهود زور .
ألا فليقل لنا عبد السلام بك رئيس النيابة ما هذه أل these الجديدة التي يطلع علينا بها.
لقد سودت النيابة ألف وثلاثمائة صحيفة وشغلت اليوم وأمس أربع ساعات ولكنها لم تحدثنا عن الضرر الذي أحاق بالحكومة من جراء هذه الأوراق وذلك الضرر الذي لم تشتم له رائحة في هذا الدوسيه الضخم.
قرر القانون رقم 53 سنة 1929 أربعة ملايين للتسليف وما يجيء من ضريبة القطن، فهل نفذ هذا المبلغ أو نصفه أو ثلثه؟
كلا هل نحن لم ندفع للحكومة ما علينا؟
كلا يعترف حضرة النائب بأننا سددنا كل المستحق ودفعنا الفايظ 5 % أيضا فركن الضرر غير موجودة والجريمة إذا غير قائمه. بالأمس سمعت وكيل مصلحة الأموال المقررة ومفتش المالية صاحب هذا الاكتشاف الخطير يقولان أن السلفيات صرف معظمها إتكالا على سمعة محفوظ باشا ،وسمعتم أن أسيوط قد اقترضت 300000 جنيه وسمعت منهما أسماء الباشاوات والبكوات الذين نحو هذا المنحى وبالأمس واليوم دوت القاعة بزئير نيابة أسيوط من هذه المنصة؟
فهل لنا أن نسائلها عن ما صنعت وباقي مقترضين مديرية أسيوط الذين تسهر على قروضهم حبس محفوظ باشا وأخوه من غير داع, وذات يوم ظل المحقق معهما من الساعة العاشرة صباحا إلى منتصف الليل , جئ بهم من السجن وردوا إليه مرات ومرات على مرأى ومشهد من المارة عشرات ومئات فلما جعل التحقيق معهم سريا ولماذا ؟ بل لماذا يمنع المحامون ورجال القانون من حضوره أو الاتصال به , لماذا أراد النائب إلا تقع عين القانون على ما يفعله ,وأخيرا قام سعادته بعملية التفتيش وهنا اسمعوا ياحضرات المستشارين : لقد صبرنا طويلا لنشكوا أليكم أخيرا….. ولتعلموا حضراتكم أنني أنا الذي أشكو ولو راجعت محفوظ باشا لتعالى عن أن يبعث هذه الشكاية!
بالأمس عندما سألتموه عن رجال آخرين اقترضوا على هذه الطريقة أفلم تسمعوا صوته هادئ مترفعا يقول أنا لا أعرف فاسألوا غيري. . ! !
يقول حضرة النائب في محضره أنه قسم قواته فرقا وقام هو على رأس فيلق من أربعة وكلاء نيابة واثنين كتبة وضابط ومأمور وهجانه وخيالة وأرسل فيلق آخر من وكيلين وكتاب وسواهم وعندما تبحث عن ما يفتش. . وسبب التفتيش نجد العجب إنه كانت يبحث ياحضرات المستشارين أدلة نفي للمتهمين قالوا ليس لدينا عقود تثبت كلامنا فقام بذلك التفتيش ليتحقق فعلا من أنهم ليس معهم هذه العقود؟
ما هذه العجائب لقد تطرب إذ تجدهم عجزوا عن إثبات دفاعهم لأن ذلك إثبات لإتهامك ففيما تقوم بذلك التفتيش وبهؤلاء الرجال وفي غسق الليل يا حضرات المستشارين: زحفت القوة قبل أن يهيف الليل حتى يشهد الناس حصارهم الدار وبقوا فيها إلى منتصف الليل.
يقتحمون غرفاتها وشرفاتها ولا يرعون حرمة للبنين الصغار فيها ولا للسيدات.
رباه أنت الذي تعلم السرائر ومشاعر الإنسان فأنت العليم بما شاع من الرعب في قلوب تلك الأسرة في تلك الليلة الهائلة. . . . يوم النيابة أو يوم القيامة.
خرجوا من التفتيش دون ورقة الواحدة تثمر الدعوة وإلا فليقولوا ويبلغونا فيما جاءهم به هذا التفتيش. . . بل ما الذي أفادهم تفتيش منزل رشوان باشا بالزمالك و هو ليس متهما ولا أوراق لديه باعترافهم. فيما كل هذا؟
أليس للفضيحة وللتشهير ولإعلان الدنيا بأن عائلة محفوظ باشا مثير الثورة في أرجاء الإمبراطورية الإنجليزية في أسيوط قد عزب وأرعب ولكن تلك السلطة مع الأسف أن تعدل أنها كانت أهون وأحفف للحرمات تحت سيف الأحكام العسكرية من النيابة وقع هذا في البلد كما هو معروف تحت ظلال الدستور.
ألا فلتشهدوا عمل المصري في أخيه المصري. . . . أما عن التهمة الثانية فنحن لم نقبض شيئا من الخزينة ولا نحن قدمنا الاستمارات حتى تكون استعملناها.
وعن التهمة الثالثة: نحن لم ندخل مال الدولة في ذمتنا. بل نحن اقترضنا.
وبواسطة غيرنا دون علاقة بالحكومة وعلى نية الرد.
ورددنا فعلا فلا عقاب كما قضيتم مرارا أما تهمة التزوير في محاضر الحجز.
فما علاقتنا بتلك الأوراق وهل هناك دليل واحد من أدلة الاشتراك في مرورها قدمها حضرة النائب حتى يجوز مناقشته فيما يقول؟
( بل أنها فوق ذلك باطلة ).
أولا: لأنه حررت قبل استحقاق الدين ولا يستطيع دائن أكثر ينفذ على مدينه قبل الاستحقاق وليس الصراف أكبر سلطة من المحضر وهذا لا يستطيع توقيع الحجز قبل الاستحقاق.
قدم النائب خطابا من المالية للصراف ليحجز فهل يجوز للدائن أن يقدم حجة لاستحقاق الدين من عمله هو؟
نحن لا نطيل في هذه المهاترة.
ثانيا: ليس في المحاضر بيان لحدود الأطيان المحجوز على ثمارها مع أن الأورنيك المطبوع للصراف به عشرة سطور لتحريره بتلك البيانات فهل هناك بطلان فوق ذلك البطلان أنها محاضر باطلة بطلانا مطلقا فلا قيمة لها ولا عقاب على التزوير فيها.
ياحضرات المستشارين: إنني أطلب براءة هؤلاء المتهمين باسم القانون ورفقا بأنصار الحكومة فلأن قضيتم اليوم بالعقاب فيا ويل الحكومة ويا ويل لأنصارها غدا.
رئيس الجلسة: نحن لا نراعي مصالح ولذلك جعلنا غير قابلين للعزل.
هلباوي بك: ليت النيابة كانت أيضا غير قابلة للعزل.
انتهى
تعليق لابد منه
اختتم الهلباوي مرافعته بأمنيته بأن تكون للنيابة نفس حصانة القضاء ضد العزل ولم تتحقق هذه الأمنية إلا عام 1984 عندما صدر القانون 35 لسنة 1984 ناصا لأول مرة منذ إنشاء النيابة العامة عام 1883 أي بعد 101 سنة من إنشائها نص على حصانة أعضاء النيابة العامة وإنهم يعاملوا بنفس معاملة رجال القضاء بكافة ضماناتهم والحماية الممنوحة لهم