ضرب المعلمين لتلامدتهم :التأييد و الرفض
مرت طبيعة العلاقة بين المعلم أو المؤدب أو المربي وبين تلاميذه بتغيرات جذرية على مر العصور، منذ أن كان المربي يُعتمد عليه في تنشئة رجالات الأمة من القادة والحكام والعلماء، وانتهاء بالأساتذة الحاليين وطلابهم المعاصرين!
ومن نافلة القول أن مهام المعلم تغيرت مع تغير الأزمنة. ومع التغير في طبيعة ومهام المعلمين من جهة، وطبيعة ومهام الآباء وأبنائهم من جهة أخرى كان لزاماً أن يكون هناك تغير في صلاحيات المعلمين وما يمثلونه للمجتمع. قبل عقدين من الزمن تعارف الناس على مقولة الأب للمدرسة (لكم اللحم ولنا العظم) ثم بدأ هذا العظم في الوهن! فأدرك الناس -آباء ومعلمين- أن العقاب البدني المتعارف عليه بالضرب يجب أن يخضع لتقنين أكثر أو يلغى، وهو ما قامت به وزارة المعارف بالسعودية أخيراً حيث أصدرت قراراً بمنع الضرب في المدارس.
هذا القرار تباينت حوله الآراء والأطروحات، واختلفت نتائج تطبيقه باختلاف المراحل التعليمية واختلاف مشارب القائمين عليها، فالبعض يعتقد بأن على المعلمين السيطرة على فصولهم ومعاقبة طلابهم بأساليب تربوية حديثة، والبعض الآخر يعتقد بأن القرار ساعد على تخطي الطلبة للحدود على طريقة «من أمن العقوبة...»!
ولن نخوض كثيراً في التقديم؛ لأن في ثنايا تحقيقنا الكثير بين نظريات الكتب والدراسات، والمسح الميداني لآراء المعلمين والطلبة. ومشاركات وآراء التربويين والأكاديميين المتخصصين في السعودية التي أجري فيها هذا التحقيق. السؤال الصغير الذي يكبر: ترى لماذا اضطر بعض المعلمين إلى مخالفة التعليمات؟
لاستيضاح خريطة الرأي في أوساط المعلمين سقنا سؤالنا الأخير عن تأييدهم لقرار منع الضرب في المدارس فأجاب 57% منهم أنهم يؤيدون هذا القرار، فيما يعارضه 43% منهم لإيمانهم بأهمية الضرب كوسيلة لردع الطلاب المشاكسين تعليمياً وسلوكياً.
وما ينبغي التركيز عليه قبل الانتقال لرأي الأبناء أن إجابات المعلمين وأسئلتنا هي عن وضع تعليمي عادي، فنحن هنا لم نسأل أساتذة التربية الخاصة أو المختصين بصعوبات التعلم، أو خبراء تعليم ذوي الحاجات الخاصة، وهي الفئات التي لا يمكن أن يكون الضرب أحد وسائل العقاب عند التعامل معها.
الضرب موجود في المدارس!
جاء الدور هنا على أسئلة الطلبة واستبانتهم الخاصة، وبدون الخوض في المقدمات بدأنا بالسؤال الأكثر أهمية بالنسبة لهم: هل الضرب مسموح به في مدرستك؟
المفاجأة أن 42% من الطلبة أجابوا بنعم، وهذا يؤكد ما ذهب إليه بعض المعلمين من وجود الضرب حالياً رغم قرار المنع، وينفي وجود الضرب في المدارس 51% من الطلبة فيما لا يدري 7% منهم ما إذا كان الضرب يستخدم في مدارسهم!
ويأتي السؤال الأهم لنا ولكم وللمعلمين: ما هي أشد وسائل العقاب تأثيراً على الطلبة؟ وهذه المرة من وجهة نظر الطلبة أنفسهم!
طلبنا من العينة ترتيب مجموعة من أنواع العقاب حسب (أشدها) على نفسه، فكيف كانت النتائج:
رتب 34% من الطلاب شدة العقوبات عليهم كالتالي:
خصم الدرجات، الضرب، استدعاء ولي الأمر، الطرد من الفصل، والتشهير داخل المدرسة.
فيما رتبها 29% كما يلي: استدعاء ولي الأمر أولاً، تلاه خصم الدرجات، فالضرب، والتشهير ثم الطرد من الفصل، وجاء ترتيب 24% من الطلبة للعقوبات حسب شدتها بحيث كان استدعاء ولي الأمر، الضرب، خصم الدرجات، والطرد، ثم التشهير داخل المدرسة.
والبقية التي توضح أمراً مهماً ونسبتهم 13% وضعت الضرب أولاً تلاه خصم الدرجات، ثم استدعاء ولي الأمر فالطرد والتشهير تباعاً.
إذاً الضرب ليس مهماً كثيراً أمام الإحراج عند ولي الأمر، أو أمام خصم الدرجات خصوصاً بالنسبة لطلبة الثانوية العامة الذين كانوا يركزون كثيراً على هذه النقطة.
نظرة صغيرة لكبير
كيف ينظر الطالب للمعلم الذي لا يستخدم الضرب كوسيلة عقاب، أجاب 56% من الطلبة أن هذا المعلم متفهم، فيما اعتبره 22% منهم قوي الشخصية. ونظر إليه 15% منهم على أنه ضعيف، والقليل منهم أحال عدم استخدام المعلم للضرب إلى أنه معلم حنون وهؤلاء نسبتهم 7%.
ولا يحب 88% من الطلبة المعلم الذي يضرب بالعصا وربما يكون هذا طبيعياً، لكن 12% أجابوا بأنهم يحبون هذا النوع من المعلمين، وليتنا استطعنا معرفة السبب (ربما لأن هذا النوع من المعلمين لا يمسّون الدرجات من قريب أو بعيد)!.
ولاستقصاء أكثر عن القضية رغبنا في معرفة أوضاع هؤلاء الطلبة في المنازل، وما هي وسائل العقاب التي يستخدمها الأهل هناك؟
يقول 46% من الطلاب إن أهلهم يوبخونهم شفهياً كوسيلة عقاب رئيسة، فيما يُعاقب بالضرب في منازلهم 21% منهم، ويستخدم الأهل وسيلة المنع من الخروج مع 15% من الطلبة، ويمنع المصروف المالي عن 11% منهم، ويستخدم بعض الأهل وسائل عقابية أخرى مع 7% من الطلبة لم يرغبوا في تحديدها.
وعلى منوال «كما تدين تدان»، ماذا يطلب الأبناء من الوزارة أن تفعله مع المعلم الذي يضربهم، يطالب 70% منهم بمعاقبة هذا المعلم، ويطالب بفصله من التدريس 20% فقط، فيما يعتقد 10% منهم أن على الوزارة أن تشجع هذا المعلم (أيضاً ربما لخوفهم على درجاتهم ومعدلات تخرجهم).
ولمعرفة أفكار جديدة في المعاقبة سألنا الطلاب عن العقاب الذي يعتقد أن زميله يستحقه إذا أخطأ، وهنا كانت الإجابات مفتوحة وغير محددة، إلا أن نسبة كبيرة منهم تطلب أن يكون العقاب على قدر الخطأ، والبقية تطالب بالمفاهمة الشفهية أو العقوبات عن طريق أداء واجبات منزلية أكثر، والغريب أن البعض لايزال يطالب بالضرب لزميله الذي يخطئ.
والرحلة مع الطلاب لها سؤال أخير هو عن رؤيتهم للمستقبل، وهل سيستخدمون الضرب إذا ما أصبحوا معلمين؟
الغالبية الكبيرة من الطلاب، نسبتهم 82% زعموا أنهم لن يستخدموا الضرب في المستقبل، فيما يصر 18% منهم على أنهم سيستخدمونه إذا ما أصبحوا معلمين.
السلوك وصعوبة التعلم
ولإكمال الحلقة -غير المفرغة- كان لابد من سؤال الخبراء والمتخصصين عن القضية، وعن ثلاثة محاور محددة فيها، هي: تقويم وسيلة الضرب كعقاب، والآثار المترتبة على استعماله، ثم البدائل المقترحة، وثالثاً: الموقف من قرار منع الضرب والتعاميم الخاصة به.
ويبدأ د. سعيد بن محمد المليص -نائب مدير عام مكتب التربية لدول الخليج- بقوله: إنني أرى أن مبدأ الثواب والعقاب يجب أن يطبق في المدرسة إذا ما اعتبرنا أن هذا المبدأ هو جزء من العملية التعليمية، وإننا في المدرسة نعلّم الفرد كيف يتأقلم مع مجتمعه بمعنى أن نعوّده النظام، وضبط النفس، ومعرفة حدود الحرية الشخصية، وحقوق الآخرين.
مبدأ الثواب والعقاب يجب أن يدركه الطالب أو الطالبة في المدرسة قبل الخروج إلى المجتمع، ولكن السؤال ما هو السبيل إلى تقنين هذا المبدأ؟ وكيف يطبق؟ ومن هو المخوّل بتطبيقه؟ هذا سؤال يحتاج إلى دراسة مستفيضة من المؤسسات التعليمية أو التربوية آخذة في الاعتبار روح العصر، مستلهمة أهداف التعليم والتعلم الأساسية.
ويرى أن نفرق بين أمرين مهمين حين نطبق مبدأ الثواب والعقاب هما:
1- سوء السلوك وعدم الانضباط والالتزام بنظام المدرسة والمجتمع في صورته المصغرة.
2- التأخر الدراسي الناتج عن قدرات عقلية محدودة.
ويوضح المليص أن مبدأ العقاب والثواب على السلوك أمر حتمي في المدرسة، إذ إنها مجتمع مصغر للمجتمع الذي سيخرج إليه ويصبح فرداً يمارس ما تعلمه وتدرب عليه وسمح له بمزاولته أثناء سني تعليمه. فالطالب المشاغب الذي يسيء السلوك مع معلمه وزميله ومؤسسته، والذي يقصر في أداء واجباته الدينية والمجتمعية يستحق العقاب، وليكن العقاب بالتدريج ووفق أسس علمية تتخذ من الدراسات النفسية قاعدة لها، والعكس بالعكس، فالطالب السوي بسلوكه يستحق الثواب وبالطريقة نفسها.
أما الطالب المتأخر دراسياً الذي لا يستطيع أن يواكب الدراسة بسبب متعلق بقدراته العقلية أو الجسدية أو غيرها مما يكون خارجاً عن طوع الطالب وقدرته فكيف نعاقبه على أمر لا يملكه؟ وهذا في نظري ما نعانيه الآن مع كثير من الإخوة والأخوات المشتغلين بعملية التعليم. إذ إن التفريق بين هذين الأمرين قد لايكون واضحاً لدى الكثيرين منهم نظراً لضغط العمل في المدرسة والفصل، أو لعدم التدريب والتعليم على هذا بشكل كاف.
إن معالجة هذا الأمر -والحديث للمليص- عن طريق نظريات مستوردة لا تنطبق على مجتمع تحكمه شريعة إلهية وتقاليد اجتماعية عريقة، أو عن طريق التعامل بلا عواطف يعتبر مفسدة إضافية إلى المنظومة التعليمية. والبدائل في نظري هي التفكير في مبدأ الثواب والعقاب كوسيلة من وسائل التعليم للفرد.