الاستثمار في قدرات المسنين

الاستثمار في قدرات المسنين




هناك زيادة كبيرة وملحوظة في عدد كبار السن في جميع دول العالم باستثناء بعض دول إفريقيا التي تعاني من جراء حروب أهلية وأمراض قاتلة مثل مرض نقص المناعة. فالتطور العام في الحياة والتحسن الكبير في العناية الصحية مقارنة بالماضي، أديا إلى ارتفاع كبير في مستوى أعمار الناس. ولكن هذا التحسن في عمر الإنسان أنتج في المقابل خوفا وقلقا من ألا يحصل هذا الإنسان المتقدم في عمره على العناية المناسبة والكافية التي يحتاج إليها، لا بل إن بعض الدول المتقدمة صارت تخاف من أن يأتي زمان يكون فيه كبار السن هم الأغلبية، وعندها تواجه الدولة مشكلة توفير النفقات المطلوبة للصرف والعناية بهذه الشريحة السكانية، ولكن مع كل هذا الخوف والقلق بخصوص النفقات تبقى مسألة العناية بكبار السن باعتبارهم السكان الواجب رعايتهم، تحظى باهتمام كبير في الخطط المستقبلية عند جميع بلدان العالم. وهناك توسع في مفهوم العناية، فهناك اليوم تفكير للاستفادة من هؤلاء الكبار والاستعانة بخبراتهم في مجالات متعددة، ولم تعد العناية تعني فقط تقديم الرعاية لهم، فكبير السن يبقى هو إنسان والإنسان قادر على أن ينتج ودائما عنده ما يعطيه لمجتمعه حتى وإن ضعف وتراجعت قدراته الجسمانية. وعلينا أن نتخلى عن النظرة التقليدية التي تنظر لكبير السن على أنه إنسان عاجز وغير منتج وعلينا رعايته والعناية به من منطلق ضعفه وعجزه وعدم قدرته على العطاء. فالحياة اليوم باتت أوسع وأكثر تعقيدا وعندنا من الوسائل والأدوات التي تساعد كل إنسان مهما كان عمره على أن يكون إنسانا منتجا وفاعلا. فالمطلوب فقط أن نستثمر ما هو متاح بفضل التقنيات الحديثة والتطور العلمي لنساعد هؤلاء الناس على أن يكون لهم دور ومكانة في مجتمعاتهم، ولكن أيضا علينا ألا ننسى أن كبار السن هؤلاء قدموا الكثير الكثير لبناء وطنهم وتطوير مجتمعاتهم وربما تحملوا ظروفا وواجهوا تحديات ربما هي أشد وأكثر صعوبة من ظروفنا الحالية، وبالتالي فلهم علينا حقوق وتكون خدمتهم ورعايتهم حقا إنسانيا وواجبا وطنيا.

ونحن في المملكة علينا أن نلتفت لهذه الشريحة السكانية المهمة. صحيح أننا مجتمع مسلم وأن الإسلام يحض على البر بالوالدين والعناية بهما، وأن مجتمعنا بطبيعته عنده دافع ذاتي للاهتمام بكبار السن، وهو يجد أنه من الواجب الديني على المجتمع رعاية كبار السن والعناية بهم. ولكن هناك تطور كبير في الحياة وهناك تغير في العلاقات الاجتماعية يجب ألا نغفله من حساباتنا. فعلينا ألا ننظر إلى مسألة رعاية كبار السن على أنها مسألة أسرية فقط ولا دخل للمجتمع بها، على المجتمع أن يوجد كثيرا من وسائل الدعم والمساعدة للأسر لرعاية كبار السن عندهم، وأن يتوافر هذا الدعم لهؤلاء الكبار عندما تعجز الأسرة لسبب ما أو لظروف معينة عن رعايتهم. وهناك جوانب من الرعاية قد لا تستطيع الأسر أصلا تقديمها، وبالتالي يكون دور المجتمع مطلوبا في هذا المجال.

فأولا علينا أن نوفر الرعاية الصحية لكبار السن بالشكل الذي يليق بهم ويلبي حاجاتهم الصحية في مثل هذا العمر وبالمستوى الذي يحفظ لهم كرامتهم الإنسانية. علينا أن نهتم كثيرا بمشاعر وأحاسيس هؤلاء الكبار، فالاهتمام بشأنهم الصحي هو واجب وطني وهي خدمة إنسانية، وبالتالي يجب تدريب الكوادر الصحية التي تقدم لهم هذه الخدمة الصحية حتى تقدم لهم هذه الخدمات بالشكل الذي يراعي مكانة واحترام هؤلاء الناس.

وهناك جانب آخر وهو الجانب النفسي، فهذه المحطة العمرية قد تصاحبها تغيرات نفسية ومتطلبات اجتماعية خاصة بها، وعلينا بالتالي أن نعد برامج اجتماعية تستوعبهم وتقدم لهم البرامج الممتعة والمفيدة حتى لا يحسوا بعزلتهم عن المجتمع وحتى لا نعرضهم لاضطرابات نفسية. ولعل فكرة مراكز الأحياء وإقامة النوادي الاجتماعية الخاصة بكبار السن هي مشاريع جيدة ويجب أن يكون لها دور مفيد في هذا المجال.

أما الجانب الثالث، فهو التفكير بشكل جدي في استثمار قدرات المسنين، فهؤلاء عندهم من الخبرات والإمكانات ما يمكن الاستفادة منها، ليس بالضرورة في مجال عملهم فقط. فميدان العمل التطوعي هو ميدان واسع ولا يستغنى عنه في أي مجتمع متقدم ويريد أن يدعم من فرص استمراره في تقدمه وتطوره. فالأعمال التطوعية بمختلف أشكالها وأنواعها تنتظر منا تطويرها وأن يكون لكبار السن دور فاعل فيها.